متابعات : هسه نيوز
أثار اعتراف المسؤول السوداني البارز محمد حمدان دقلو «حميدتي» بفشل الإجراءات التي اتخذها الجيش السوداني في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وحلّ بموجبها الحكومة المدنية بقيادة عبد الله حمدوك، علامات استفهام كثيرة حول دوافع الرجل الثاني في الدولة وتوقيت الاعتراف، وفي ذات الوقت دعت مجموعة دول «الترويكا» الغربية الجيش للالتزام بتعهداته بالانسحاب من المشهد السياسي.
وفي مقابلة مع «بي بي سي» العربية، أول من أمس، أقرّ قائد قوات الدعم السريع «شبه النظامية» محمد حمدان دقلو «حميدتي»، بفشل إجراءات الجيش التي اتخذها في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 في تحقيق أهدافها، وهي الإجراءات التي اعتبرتها القوى السياسية السودانية والحراك المدني «انقلاباً عسكرياً» أطاح حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الانتقالية.
وقال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أم درمان الإسلامية، بروفسور صلاح الدومة، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة وقائد الدعم السريع «تؤكد صحة الأقوال المتداولة عن الخلافات بينه وبين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان». وأوضح أن الخلاف بين الرجلين وصل مرحلة متقدمة، دفعت الرجل إلى المجاهرة بآرائه، بعد أن كان يتكتم عليها، على الرغم من أنه كان طرفاً أساسياً في «انقلاب أكتوبر».
وأضاف الدومة: «هذه التصريحات يمكن اعتبارها انتقالاً للرجل من معسكر الانقلابيين إلى معسكر الثوريين ولجان المقاومة المناهضين للانقلاب»، وتابع: «الخلافات وصلت هذه المرحلة نتيجة لهذا الصراع، وانتقلت من كونها خلافات مكتومة انفجرت دفعة واحدة»، وأضاف: «سيكون للتصريحات تأثير إيجابي لصالح الثوار ولجان المقاومة، وإضعافاً لمعسكر الانقلابيين لأقصى حد».
بدوره، وصف المحلل السياسي عمرو شعبان، في إفادته لـ«الشرق الأوسط»، حديث حميدتي، بأنه إقرار بـ«الحقيقة والواقع الماثل الذي لا تخطئه عين»، وربط بينه وبين خطاب البرهان الذي «زعم فيه الخروج من المشهد السياسي»، وتابع: «كل التصريحات التي تخرج من رموز الانقلاب تستهدف الرأي الإقليمي والدولي وليس المحلي، لأنها درجت على التعامل مع الرأي المحلي بالقتل والسحل وقنابل الغاز المسيل للدموع والاعتقالات خارج نطاق القانون»، وذلك في إشارة لمقتل 116 متظاهراً سلمياً، وإصابة آلاف، واعتقال مئات منذ أكتوبر الماضي.
وقال شعبان إن توقيت الاعتراف بالفشل الهدف منه إعطاء مصداقية أكبر لتصريحات البرهان عن مغادرة المشهد السياسي، ورفع الحرج عنه أمام القيادات العسكرية المتململة من وجود جيوش متعددة خارج نطاق القوات المسلحة، وتابع: «ليكتسب الحديث عن فشل الانقلاب مصداقية، يستوجب خطوات عملية، تبدأ بتسليم السلطة وأموال وممتلكات الشعب السوداني لآخر حكومة مدنية كانت موجودة، وتسليم أنفسهم للعدالة إن كانوا صادقين»، وأضاف: «يجب أن تتم العملية بدون وصاية على القوى السياسية والمدنية، وأن تتضمن الاعتراف بضعف مبررهم للانقلاب، فقد قالوا إنهم اتخذوا خطوتهم لفشل الحكومة الانتقالية، والآن اعترفوا بفشل انقلابهم».
من جهتها، رحّبت سفارات دول «الترويكا» الغربية بما أطلقت عليه تأكيد أصحاب المصلحة من المدنيين والعسكريين على ما ورد في بياناتهم الأخيرة، التي تتضمن تكوين حكومة بقيادة مدنية، تقود عملية الانتقال إلى الديموقراطية في السودان بجدول زمني واضح وواقعي، توصله لانتخابات تضعه على طريق التعافي من الأزمة الاقتصادية والإنسانية والسياسية التي تعيشها.
ورهنت المجموعة المكونة من سفارات دول «النرويج، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية»، استئناف الشراكة الدولية الكاملة مع السودان بتحقق شرط الانتقال المدني، بيد أنها قالت في بيان صحافي أمس: «لن تتمتع أي حكومة بالمصداقية ما لم تستند إلى اتفاق سياسي شامل».
وحثّت المجموعة الأطراف المدنية على الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية، والجيش على الإيفاء بالتزامه المعلن بالانسحاب من المشهد السياسي، وأضافت: «المجتمع الدولي واضح في أن الدور العسكري المستقبلي يجب أن يتم الاتفاق عليه بالتشاور مع الجماعات المدنية، من أجل ضمان انتقال مستدام، إلى حين الوصول إلى الانتخابات».
وأعلن قائد الجيش السوداني رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في 4 يوليو (تموز) الماضي، انسحاب الجيش من التفاوض مع المدنيين وتكوين مجلس أمن ودفاع بصلاحيات واسعة، وبدأ بمبادرة مشتركة أميركية سعودية قبل الوصول لنتائج ملموسة، واشترط توافق الأطراف المدنية على حكومة مدنية. وفي 25 أكتوبر الماضي، أعلن قائد الجيش السوداني حالة الطوارئ في البلاد، وحل الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك، واعتقله مع عدد من وزرائه وقادة تحالف الحرية والتغيير، وبرر قراراته بما أطلق عليه «فشل الحكومة المدنية»، بيد أن القرارات التي اعتبرتها القوى السياسية والحراك المدني ولجان المقاومة «انقلاباً عسكرياً»، واجهت معارضة شعبية واسعة، ردت عليها بعنف مفرط راح ضحيته 116 محتجاً سلمياً بالرصاص وأدى لإصابة آلاف واعتقال مئات ما يزال بعضهم يقبعون في السجون.