تكييف المآلات الاقتصادية/ الاجتماعية والسياسية لثورة ديسمبر المجيدة وأليات الحلول (8-10)

حسين أحمد حسين

4-2-1 هل نحن أمام ثورة يسارية أم هي ثورة داخل طريق التطور الرأسمالي

النَّاظر لوقائع التاريخ المادي (سيرورته وصيرورته) يجد أنَّه لا مجال في الوقت الراهن للحديث عن ثورة شيوعية أو اشتراكية؛ فهما يبدوان ميتافيزيقيتين حالياً. وبالتالي على مدنيتنا الاكتفاء بإنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية ولو جاءت بالمعنى الليبرالي حتى، وذلك لتحقيق شعارات الثورة: حرية سلام وعدالة في إطار الدولة المدنية؛ أي تحقيق شعارات دولة المواطنة.

وحتى الثورة الوطنية الديمقراطية لا يمكننا إنجازها دون تحقيق قدر من العمالة الكاملة في الاقتصاد أو قريباً منها، والعمالة الكاملة هِيَ الأخرى لا يمكن الوصول إليها في غياب حزب للعمال والقوى الحديثة والمستضعفة (ليُنافح بالأصالة عن عنصر العمل)؛ ذي المصلحة الحقيقية في التغيير الذي يُفضي إلى توازن معادلتى الاقتصاد والسياسة وديمقراطيتهما واستدامتهما وتوازنهما؛ واللتان لا يتحقق لهما التوازن والديمقراطية والاستدامة في غياب حزب العمال والقوى الحديثة والمستضعفة هذا، كما جاء بعاليه.

وأقول ما اقول لسبب بسيط هو أنَّ التشكل الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي المهيمن (الذي فيه الاقتصادي محدِّدَاً ومسيطراً)  في الوقت الراهن لم يولِّد واقعاً متنافياً يشير إلى بزوغ الاشتراكية ناهيك عن الشيوعية، بل في حقيقة الأمر أنَّه قد أمعن في الرسملة والرسملة المتوحشة “النيوليبرالية”؛ خاصةً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي. وبالتالي فإنَّ التشكل الاقتصادي الاجتماعي النيوليبرالي الكوكبي هو المحدد الرئيس والأوحد لوقائع التاريخ المادي للعالم، وبالتالي يبتعد كثيراً عن نمط الإنتاج في ظل نظام اشتراكي، وهو أبعد ما يكون عن نمط الإنتاج في ظل الشيوعية بطبيعة الحال.

وفي تقديري المتواضع أنَّ شحذنا (كتقدميين/كيساريين) للهمم نحو إنجاز الاشتراكية أو الشيوعية واستطالة الحلم من غير أن ينفتح التشكل الاقتصادي الاجتماعي على أيِّهما، سيرهق شعوبنا بطول الأمل وخيبات الأمل وربما اللاجدوى؛ كوننا سنفعل ذلك بحرق المراحل، والتاريخ المادي للشعوب بنائي ولا يعرف حرق المراحل، ولكنَّه يتناقضها ويولد منها واقعاً متنافياً في إطار سيرورة أزلية مرتبطة بمصالح الشعوب الآنية والاستراتيجية (الحلم وقود الاستمرار للمرحلة التالية بطبيعة الحال، أي للثورة الوطنية الديمقراطية، ولكنه لن يتجاوز الثورة الوطنية الديمقراطية (لن يحرق مرحلتها) ليزج بنا في المراحل التالية الشاهقة الميتافيزيقية البعيدة المنال.

4-2-2 كيف لمن ينادي بالمدنية تكون دولته دينية أو علمانية؟

كان حلمُ شبابنا الأوفياء أن تكون دولتهم مدنية، لا دينية ولا علمانية ولا عسكرية؛ (مدنياااااااو والسلام). غير أنَّ حراس المعبد القديم يجرونهم نحو الدولة الدينية – العسكرية، والبعض الآخر (لاسيما اليسار) يجرهم إلى الدولة العلمانية، غير أنَّ المطلب الرئيس مازال هُو المدنية. ونرجو من صنَّاع الفكر ومنتجي المعرفة أن يُترجموا هذا الحلم إلى واقع دون تعسُّف؛ فهو مشروع ومن أجله استشهد الآلاف وفُقِدوا وجُرِحوا.

وهذا الشباب الواعي حينما لفظ الدولة الدينية المدعومة بالعسكر، فهو يعلم أنَّ عقلية الدولة الدينية “الثيوقراطرأسمالية” ليس لها حلول لقضايا السودان المصيرية القائمة على التنوع الثقافى والإثنى والدينى إلاَّ بالبتر والإقصاء والتهميش  (ولذلك كان الشعار: يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور). وكذلك فهو يعلم أنَّنا إذا أخذنا العلمانية الإلحادية القُحَّة كما كانت عليه في الدولة السوفياتية قبل العام 1989 والتي تعني “منع الدين من التدخل فى شئون الدولة ومنع الدولة من التدخل فى الشئون الدينية بغرض مساواة جميع النَّاس أمام القانون، والتعاطى مع معتقداتهم بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بحقوقهم الأساسية”، سنجد أنَّ هذا القانون قد تعسَّف على  جميع المتدينين أقلية كانوا أم أغلبية.

ولكن بانهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي فقد انتفت العلمانية الإلحادية، وسادت بدلها العلمانية السياسية التي لا تعادي الدين. بل إنَّنا نجد أنَّ بعض الدول قد أقرَّتْ العلمانية فى دساتيرها، لكنَّها لم تجد بُدَّاً من التعاطى مع الدين (Political secularism can accommodate religions)، لا سيما مع وجود مصلحة أو فتح من شأنه أن يُخرج الرأسمالية من أزماتها كما فعلت البروتسانتينية الكالفينية مثلاً، أو كما فعلت الإخوانوية التي حررت الاقتصاد السوداني فوق ما يطمع النظام النيوليبرالي ومؤسسات تمويله الدولية، أو كما طرقت بريطانيا باب البنك الإسلامي البريطاني إنْ كان له بعض المعالجات التي يمن شأنها أن تُخرجهم من أزمة 2008 على سبيل المثال.

وفي هذا السياق من العلمانية السياسية قد فُتِحَ الباب للأقليات لممارسة بعض شعائرهم وطقوسهم الدينية، ولكن ليس بالقدر الذي “يرفع عنهم الحرج العقدي في كثير من الأحيان”. وإذا كان بالإمكان لدولة العلمانية الإلحادية أنْ تتنزل فى أرض الواقع من جديد – وذلك خيارٌ محتمل – فكلُّ ما هو دينى سيكون على المِحَك؛ وهذا مصدر خوف وقلق كل المتدينين في السودان وغيره.

وبالتالي نرجو أنْ تبتدع العلمانية السودانية (اليسار السوداني) حلولاً تُجيبُ بها على مثل هذه التساؤلات بشكل ديمقراطى غير متعسِّف، حتى لا ينفر منها المتدينون المدافعون عنها أو الذين يتخذونها شأناً مؤقَّتاً وحتى إشعار آخر (الفكر الجمهورى مِثالاً).

ولم تسلم “دولة نقد المدنية” نفسها؛ التي أوجدت مفهوم الدولة المدنية للقاموس السياسي المحلي والعالمي” من هذا التعسف والسلوك اللاديمقراطي رغم إقرارها بأنَّ  معتقدات النَّاس – بحسب ما يقول الحزب الشيوعى السودانى – لا تخضع لمعيار الأغلبية والأقلية (وفي هذا فوت فكرى للحزب الشيوعى السودانى على الأحزاب الأخرى التى تنادى بديمقراطية الأغلبية)، غير أنَّ الحزب الشيوعى السودانى لم يُخبرنا عن المخرج المدنى الديمقراطى السلس والغير متعسف لمناداة الأغلبية أو الأقلية بتطبيق شرائعهم عليهم وعلى الآخرين إذا ما وصلوا لسدة الحكم.
فمثلاً، أين تذهب حقوق الأقليات إذا كان الناطق الرسمى للحزب الشيوعى السودانى السيد يوسف حسين رحمه الله قد قال ذات مرة في حوار أُجرِيَ معه بالراكوبة الموقرة: “إذا جاءتنا الشريعة الإسلامية بالديمقراطية فسنقبل بتطبيقها”. وهذا يعنى أنَّ بعض الأقليات ستقبل بهذا التطبيق كَرْهاً فى حالة فوز الأغلبية المسلمة بالإنتخابات. وإذا بعد أربعَ سنوات خسِرَ دعاة الشريعة مقعدهم، هل سنمنع تطبيق الشريعة على من أراد أن يُطبقها على نفسه لأنَّ أقلية علمانية أو مدنية فازت بالسلطة؟ كيف العمل إزاء هذه القضية التى لا تقبل بأى تعسف فكرى أو سياسى كما يشير الحزب الشيوعى السودانى ذات نفسه؟

إذاً يستبين من الحديث أعلاه أنَّه ثمةَ مشكلة بالنسبة لكلِّ نوع من أنواع الدولة حينما يكون الحديث عن المعتقدات بشكل عام، وحينما يكون الحديث عن معتقد الأغلبية ومعتقد الأقلية على وجه الخصوص، كما أنَّ للدولة الدينية مشكلة أُخرى متعلقة بالحرية (لا أُريكم إلاَّ ما أرى) والديمقراطية (إلغاء الأحزاب كما جاء ذلك في كتابات حسن البنَّى).

والجدير بالذكر هنا، أنَّ الثلاثة أنواع للدولة تُقِر بالتنوع الثقافى، والإثنى، والدينى، واللغوى فى السودان. وبالرغم من هذا الإقرار، إلاَّ أنَّ المشرعين المعنيين بقضايا السودان المصيرية فى إطار كلِّ دولة من الدول الثلاث، يلجأون إلى حلول غير متناغمة مع هذا التنوع وفوق ذلك تعسُّفية وبالتالي غير ديمقراطية. بمعنى آخر إنْ جاءت الأغلبية للسلطة عمَّمَتْ معتقدها على حساب المعتقدات الأخرى، وإن جاءت الأقلية للسلطة تعسَّفت على نحوٍ ما على دين الأغلبية أو على دينها هي نفسها فقط لتبقي طوال مدتها في الحكم. وفقط لننظر لحال الخرطوم الآن في إطار فصل الدين عن الدولة المرحب به عند البعض، والمدان عند البعض الآخر.

أقول ما أقول، ومن الممكن الخروج من حالة التكلُّس والكسل الفكريَيْن  السائدة في السودان الآن مع قليل من الاشتغال بالفكري على حساب السياسي، ومناقشة الأُطروحات الثلاثة بقلب مفتوح من قِبَل المهتمين بالفكر، إذا كانت هناك إرادة مجتمعية حرة وواعية لتجنيب البلد ويلات التمزُّق والفُرقة والشتات. وفي هذا الإطار من الممكن للدولة المدنية أن تتحول من مجرد شعار لهذه الفترة الانتقالية إلى برنامج عمل قابل للتنفيذ والاستمرار.

4-2-2-1 الدولة المدنية فيما بعد “دولة نقد المدنية” وكيفية تعاطيها مع معايير الأقلية والأغلبية

في اعتقادي الحل لمسائل التعسف السياسي والفكري مازال كامناً في “دولة نقد المدنية” نفسها. وبالتالي مع قليل من القراءة الدلالية لفكر الأستاذ المرحوم محمد إبراهيم نقد (symptomatic reading) رحمه الله، نستطيع أن نخرج من حالة التعسف الفكري والسياسي التي نجدها في إطار الدولة الدينية والعلمانية؛ والمدنية التي يشتغل أهلها بالسياسي أكثر من الفكري؛ وبالتالي انصرفوا عن مهمة الإجابة على كيفية “عدم خضوع المعتقدات لمعايير الأقلية والأغلبية”.

فمثلاً، في تعريفنا للدولة في موضع آخر قلنا أنَّها هي: “حزمة الإجرآءات القانونية والمؤسسية المعبرة عن مجتمع بعينه، على بقعة أرض بعينها، بالكيفية التى تُكسبها اعترافاً دولياً وسيادةً على تلك البقعة من الأرض” (وقلنا لنستحضر ولادة دولة الجنوب – رغم قيصريتها – حتى نتبيَّن ونتحقَّق من تعريف الدولة).

وبالطبع هذا المفهوم هو التعريف العلمى الذى يستخدمه أىُّ نوع من أنواع الدولة (دينية، علمانية، مدنية) لإنجاز الحقوق والواجبات المتبادلة بينها وبين مواطنيها. وبعبارة أخرى هذا التعريف يُمثل الشروط العلمية لإنجاز مهام الدولة فى أىِّ مكان، وعلى أىِّ دين/لا – دين كانت. كما أنَّ الدولة بهذا التعريف ليست معصومة من التعاطى مع معتقدات النَّاس؛ بل إنَّها تتأثر بمعتقدات شعبها وتؤثِّر فيها، فى إطارٍ من الجدل الحميم والمحتدم. ويحدث ذلك  ببساطة لأنَّ القيم الإنسانية منبعها المعتقدات (الدين)، وبالتالي تمثل المرجعية الأخلاقية للدولة والمجتمع. ويجب ألاَّ يتوقع السياسى الناضج إجابة سهلة على عواقب إقحام الدين فى الدولة أو فصله عنها؛ فالمخاض طويل بطبيعة الحال (راجع على الإنترنت حسين: 27 /12 /2015، حول مفوم الدولة وأنواعها وتعاطي كل نوع مع قضايا السودان المصيرية – الشريعة الإسلامية مثالاً 1-4).

والمهم فى كل ذلك هو أنْ تتعاطى الدولة مع معتقدات شعبها بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بالحقوق الأساسية لكافة مواطنيها، وأن تتعامل معهم على قدمِ المساواة. وعلى ضوء هذا المفهوم العام للدولة دعونا نعرف دولتنا المدنية المناط بها إخراجنا من التعسف الفكري والسياسي المرتبط بحقوق الأقليات والأغلبيات في إطار عمليات تداول السلطة.

4-2-2-2 تعريف الدولة المدنية – الحلم (مدنياااااو)

الدولة المدنية هى: “جملة الإجراءات القانونية والمؤسسية المُتَوَصَّل إليها ديمقراطياَ، أىْ وِفق دستورٍ ديمقراطىًّ (مؤقت أو دائم) مُنبثقٍ عن عقدٍ اجتماعىٍّ مدنىٍّ جامعٍ معبِّرٍ عن إرادة المجتمع بكل تنوعاته؛ وغير خاضعة لتأثيرات القوى الاجتماعية فى ذلك المجتمع ولا لأيديولوجياتها ولا لنزعاتها؛ مهمتها إنجاز الحقوق والواجبات المتبادلة بين الدولة المدنية والمجتمع فى إطار دولة مواطنة ديمقراطية؛ وتتعامل مع تنوعات ذلك المجتمع بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بتلك الحقوق والواجبات لكافة المواطنين؛ وأن تتعامل معهم على قدمِ المساواة بلوغاً لمرحلة الديمقراطية المستدامة/الثورة الوطنية الديمقراطية”.

وتأسيساً على ما جاء بعاليه، فإنَّ الإطار المعرفى للدولة المدنية (البارادايم) هو الثورة الوطنية الديمقراطية (وليس أيُّ سياق آخر سابق لها) ولو جاءت “أُكرِّر” بالمعنى الليبرالي/النيوليبرالي. بمعنى آخر بدون النزوع نحو الثورة الوطنية الديمقراطية، فإنَّ الدولة المدنية لن تتنزل إلى أرض الواقع. وكما سيجئ لاحقاً، فإنَّ الأساس المادى للثورة الوطنية الديمقراطية هو اتزان معادلة الإنتاج (عمال/قوى حديثة + رأسماليين/إنتربِرينيرز + التنظيم/ البورجوازية الصغيرة + الأرض/بورجوازية الدولة + (…) = الإنتاج/العملية الإنتاجية والعمالة الكاملة/الثورة الوطنية الديمقراطية فى نهاية المطاف)؛ أى ديمقراطيتها. ولن تكون معادلة الإنتاج هذه ديمقراطية فى غياب تنظيمات المجتمع المدنى الممثِّلة لكل عناصر الإنتاج في هذه المعادلة؛ وعلى سبيل الحصر أعنى غياب حزب للعمال والقوى الحديثة والمستضعفة فى السودان (حزب مجتمع الاعتصام/حزب أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير).

4-2-2-3 محددات الدولة المدنية – الحلم

يمكننا من التعريف الوارد أعلاه، ومن مقالة لدكتور أحمد زايد (دكتور أحمد زايد: “ماذا تعنى الدولة المدنية”، الشروق الألكترونية، 26 فبراير 2011)، ومقابلة مع د. محمد شحرور (https://www.youtube.com/watch?v=fS-RtARjfaw)، أن نعيِّن محددات الدولة المدنية وأركانها التى إنْ غاب أحدها انزلقَ مفهوم الدولة المدنية إلى الدولة الدينية أو العلمانية أى انزلق إلى عِلَلِهما (كل ما يجئ بين معكوفتين فهو يخصص د. أحمد زايد، ود. محمد شحرور في هذه الفقرة:

1/ من أهم محددات الدولة المدنية هو رغبة المجتمع فى الخروج من البوهيمية (الجنجويدزم) إلى الحال المدنى (مطلب شهدائنا الأبرار)، بالتوافق على عقد اجتماعى يشمل كافة قطاعات المجتمع، ويتحوَّل فيما بعد إلى دستورٍ دائمٍ مُعبرٍ عن إرادة ذلك المجتمع وإجماعه، فى صورة مؤسسات وقوانين لا تطالها تأثيرات القوى المجتمعية أيَّاً كان مصدرها: الفرد أو الجماعة أو الطائفة أو المذهب أو مجموعات الضغط، غايتها تنظيم الحياة العامة وتنظيم خيارات الناس دون اعتداء بعضهم على بعض، وحماية الملكية الخاصة وتنظيم العقود وشمولية تطبيق القوانين على كافة أفراد المجتمع دون استثناء لذى جاهٍ أو سلطان.

2/ ومن أهم محددات الدولة المدنية أنَّها: دولة القانون ودولة القضاء المستقل، ودولة المؤسسات الأُخرى التشريعية والتنفيذية المستقلة؛ وذلك لضمان إرساء المبادئ العدلية وشموليتها.

ولعلَّ “أهم سمة من سمات دولة القانون هى ألاَّ تخضع حقوق الفرد فيها لأىِّ انتهاك من قِبَل أى طرف آخر، وذلك لأنَّ سُلطة الدولة دائماً حاضرة وهى فوق سلطة الأفراد، ويلجأ إليها كل أفراد المجتمع حينما تُنتهك حقوقهم أو تكون قابلة للإنتهاك” (د. أحمد زايد أعلاه).

3/  من محددات الدولة المدنية هى تنامى الوعى المدنى والعقيدة المدنية التى تنبنى على “السلام والتسامح وقبول الآخر واحترام خصوصياته والمساواة فى الحقوق والواجبات والثقة فى عمليات التعاقد والتبادل المختلفة”. وهذه القيم تمثل ما يُطلق عليه “الثقافة المدنية” وهى ثقافة تخلقها استدامة حكم القانون واستدامة الديمقراطية (أىْ الثورة الوطنية الديمقراطية) القائمة على اتزان معادلة الإنتاج التى لا تتحقق إلاَّ بوجود حزب للعمال والقوى الحديثة والمستضعفة كما جاء بعاليه، وهى تقوم على مبدأ الإتفاق والتراضى (أساس التوليفة المُثلى)، وتعززها أعراف وأنساق عديدة غير مدونة تمثل عصب الحياة اليومية للمواطنين (وما أعظم هذه الأعراف والأنساق عند أهل السودان)، تصوغ لهم “مبادئ التبادل القائم على النظام لا الفوضى، وعلى السلام لا العنف، وعلى العيش المشترك لا الفردى، وعلى القيم الإنسانية العامة لا الفردية ولا المتطرفة” (المرجع أعلاه).

فالثقافة المدنية تخلق من المواطنين نشطاء مثقفين مدنياً (شباب شارع الحوادث ونفير مِثالاً) يعرفون ما لهم وما عليهم، ويساهمون بفعالية فى تحسين ظروف مجتمعاتهم، بحيث يرتقون بوعيهم المدنى بشكلٍ مستدام، ويُمجِّدون كلَّ ما هو “عام، كالأخلاق العامة، الصالح العام، الملكية العامة، المبادئ العامة، ويحرصون دائماً على كل ما يتصل بالخير العام” (المرجع  أعلاه).

4/ من محددات الدولة المدنية أنَّها “دولة مواطنة”، يُعرَّف الفردُ فيها “تعريفاً قانونياً اجتماعياً على أنَّه مواطن (بدون ألقاب) فى المجتمع له حقوق وعليه واجبات يتساوى فيها مع جميع المواطنين. وإذا كان القانون يؤسس فى الدولة المدنية قيمة العدل، وإذا كانت الثقافة المدنية تؤسس فى الدولة المدنية قيمة السلام الإجتماعى، فإنَّ المواطنة تؤسس فى الدولة المدنية قيمة المساواة والقيم الإنسانية جميعها” (المرجع أعلاه).

5/  ومن أهم محددات الدولة المدنية هى الديمقراطية – والتي تبدأ من علاقات الإنتاج لا من الأرينة السياسية، وهى بالتالى الصمام الذى يمنع أخذ السلطة بالقوة والغصب بواسطة “فرد أو نخبة أو عائلة أو أُرستقراطية، أو نزعة أيديولوجية”. إنَّ الديمقراطية هى سبيل الدولة المدنية الوحيد لتحقيق كلِّ ما هو عام، “كما أنَّها هى وسيلته للحكم العقلانى الرشيد وتفويض السلطة وانتخابها وتداولها سلمياً. إنَّ الديمقراطية تتيح التنافس الحر الخلاَّق بين الأفكار السياسية المختلفة للمواطنين، وذلك بما ينبثق عنها من سياسات وبرامج مكرسة لتحقيق المصلحة العليا للمجتمع، ويكون الحَكَم النهائى لهذا التنافس هو الشعب؛ لابصفة شخوصه، ولكن بما يطرحونه من برامج وسياسات” لتحقيق أهداف معادلة الإنتاج (د. أحمد زايد، سبق ذكره).

فالديمقراطية تُزَكى الثقافة المدنية التى تَرْقى بالمجتمع وتحسِّن ظروفه المعيشية. ولا تتحقق الديمقراطية إلاَّ بمزيدٍ من الديمقراطية؛ أىْ “بقدرة الدولة المدنية على خلق مناخ عام للنقاش والتبادل والتواصل الاجتماعى بين المجموعات المدنية المختلفة والآراء المختلفة وغيرها. ويشمل هذا المناخ العام فى المستوى الجزئى الجماعات الفكرية والأدبية والروافد الثقافية، ويتدرج ليشمل الجمعيات الأهلية والمنتديات والمؤتمرات العامة، وصولاً إلى النقاشات التى تدور فى أروقة النقابات وجماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدنى الأخرى والحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية” والتي أساسها وأُسُّها هو علاقات الإنتاج.

هذا المناخ العام يجب أن يكون مستقلاً ومدنياً وغيرَ مُحَرَّضٍ بالأيديولوجيا، ليكون بمستطاعه القدرة على طرح الفهوم والأفكار بشكل ناضجٍ وحرٍ ونزيه. وبالتالى هذا المناخ العام هو الذى يُحرِّض المجتمع على ابتداع الأساليب المدنية النوعية فى التثاقف العام والتواصل الجمعى، ويخلق من الحوارات المتنوعة والمتباينة فُسيفساء مدنية مُقترنة بالهم العام. “ويتأسس هذا المناخ المدنى العام بالفعل التواصلى الحوارى الذى يقوم على احترام أفعال الآخرين وأفكارهم ومعتقداتهم والاستجابة إليها بشكل مدنى عقلانى من غير فوضى أو رفض” (د. أحمد زايد، سبق ذكره).

4-2-2-4 موقف الدولة المدنية – الحلم من الشرائع والمعتقدات

لا تقوم الدولة المدنية بمعاداة الدين (أىِّ دين) كما كان الحال على عهد الدولة العلمانية الإلحادية فى الاتحاد السوفياتى السابق، حيث كانت الدولة تأمر وتنهى وتمنع وتُحرِّم، “والتحريم ليس من اختصاصها بل هو من اختصاص الدين”. كما لا تسمح الدولة المدنية باستغلال الدين لمصلحة دنيوية وبالتالى تجرح قُدُسِيَّتَهُ وتستهزء به كما تفعل الدولة الدينية فى السودان وغيره من الدول، حيث كان الدين يُحرم ويأمر وينهي ويمنع، “والمنع ليس من اختصاصه، بل من اختصاص الدولة، لأنَّه لا يملك أداة الإكراه” (د. محمد شحرور، رابط الفيديو السابق ذكره أعلاه).

ولا تتسربل الدولة المدنية بدِين أغلبية ولا بدين أقلية كما هو الحال فى بعض نماذج دول العلمانية السياسية كبريطانيا. وفي الحقيقة ليس من مهام الدولة إدخال الناس الجنة أو النار  (بل أنا أجرؤ وأقول: أنَّه لا توجد دولة دينية من الأساس، ولكن قد تتسربل الدولة بدين الأغلبية أو الأقلية لتحقيق مكاسب سياسية). غير أنَّ الدولة المدنية تؤكد على أهمية الدين كجزء لا يتجزأ من منظومة الحياة المدنية (ولا يمكن فصله عن المجتمع كما فعلت العلمانية الإلحادية)، وكقيمة إيمانية روحية بالغة التأثير فى حياة النَّاس ومعزِّزة لجوهر الثقافة المدنية من جهة كون أنَّ الدين هو “الداعم الأهم للأخلاق والحاض على الإستقامة والالتزام لا سيما فى الشئون التعاقدية؛ بل هو عند البعض الباعث على حب الخير للنَّاس والإخلاص فى العمل والنجاح فى الحياة عموماً” (د. أحمد زايد سبق ذكره).

إذاً، فالدولة المدنية لا تتسامح مطلقاً مع الإبعاد القسري للدين عن حياة الناس، ولا تتسامح مطلقاً مع استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية؛ وبالتالى تحويله إلى موضوع خلافى وجدلى وإلى تفسيرات تُسئ إليه وتبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة الزائلة. فالدين فى ظل الدولة المدنية ليس أداةً للسياسة تُجيِّرُهُ أنَّى شاءت لتحقيق مصالحها، ولكنَّه بالمقابل فهو أسمى القِيم فى الفضاء المدنى، وتتطور علومُهُ وفهومُهُ بقوة فكره ومنطقه الداخلى؛ بعيداً عن منطق التطرف والعنف اللذيْن لا يُسمح بهما البتة فى إطار الدولة المدنية سواء جاء هذا العنف من قبل الدولة أو المواطنين.

وبهذا الفهم فإنَّ الدولة المدنية لا تتعامل مع الأديان (الشريعة الإسلامية، الشريعة المسيحية، الشريعة اليهودية، الشريعة الإحيائية، والشريعة الوضعية، وغيرها) بالمنطق المتعسف التى تمارسه دولة العلمانية الإلحادية أو الدولة الدينية، ولكنَّها تلجأ إلى التخيير كقيمة مدنية ديمقراطية محقِّقة لشروط المواطنة. وبالتالى من حق المواطن (أى مواطن) أن يختار نوع القوانين التى يود أن تُطبَّق عليه حيث سلطة الدين مرجعيتها الضمير؛ سواء أكانت قوانين دينية (شريعة) أو وضعية، ويجب أن تُسجَّل فى سجلِّه المدنى ويحويها رَقْمُهُ الوطنى وأنْ تُطبقها عليه الدولة، حيث سلطة الدولة مرجعيتها القانون. كذلك فإنَّ الدولة المدنية تكْفُل له الدخول تحت الشِّريعة والقانون الذى يُريد، وتكْفُل له الخروج منهما متى ما يريد تحت ضوابط تكفل احترام المعتقدات فى الحالتين.

ولعل فضيلة التخيير المدنية هذه ستُساعدنا فى تجاوز مأزق الدولة الدينية المتاجِرة بالأديان، والتى تود أن تفرض قوانينها الدينية بمنطق الإكراه، ومنطق الأغلبية والنخبوية والأُرستقراطية. كما يُساعدنا ذلك التخيير بالنفاذ بالعبارة الحصيفة التى أوردتها دولة نُقُد المدنية “لا تخضع المعتقدات لمعيار وعلاقة الأغلبية والأقلية” إلى غاياتها؛ وهى حرية الاعتقاد، وحرية اختيار القوانين التي يريد المعتقِد تطبيقها عليه بواسطة الدولة، واحترام المعتقدات، وحرية الانتقال بين المعتقدات، وتحرير المعتقد من عسف السياسة وتركه للفضاء المدنى.

نعم ربما تكون هناك مشكلة فى ذهن المشرِّعين والمراقبين متعلقة بكثرة الشرائع وكثرة القوانين، ولكنَّها فى نهاية المطاف تعبِّر عن تنوعنا بشكل مدنى ديمقراطى خالى من التعسف والإكراه والجبرية (لكلٍ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجا – المائدة 48)، ويجب أن يكون الدستور الدائم للسودان معبِّراً عن هذا الواقع أيضاً. كما أنَّ تتعدد القوانين وتعدد الشرائع وما يُصاحبُها من الحرج العقدى الظاهرى عند البعض من عدم علو الدين الخاتم على الأديان السابقة (ومن لم يحكم بما أنزل الله)، أهون من أن يكون التعسُّف سبباً فى حروب وفتن لانهائية.

لقد جرَّب السودان التعسف منذ الإستقلال إلى يومِ النَّاسِ هذا، وكانت النتيجة فُرقة أبناء الوطن الواحد، واحترابهم الدائم وانفصال جزءٍ عزيز من بلدهم، وبُغِّضَ إليهم كلُّ ما هو دينى. فلماذا لا نجرِّب التخيير؟ فبدلاً من أنْ تُطبَّق علىَّ الشريعة إكراهاً كما تفعل الإنقاذ ودولتها الدينية، فلتُخيِّرُنى الدولة بمسلك مدنى ديمقراطى (وهنا تسقط صفتها الدينية وعلمانية شخوصها معاً) فى القوانين التى أحب أنْ تُطبَّق علىَّ: قوانين الشريعة الإسلامية (المسيحية واليهودية وغيرها)، القوانين الوضعية، أو أى قوانين أُخرى. وهنا تظهر عدد من الحقائق التى لا يراها المتعسف ولا المتعسف عليه فى إطار الدولة المدنية:

1- ستتبدَّى للنَّاس لِأَوَّل مرة إمَّا سماحة المعتقدات الدينية (وغيرها من الشرائع) كما يزعم أهلها  فيكثر أتباعُها، أو وجاهة القوانين الوضعية فيزداد أنصارها. وإذا كان اللهُ عزَّ وجلَّ مُتِمَّاً نوره ولو كَرِهَ الكافرون، فَفِيمَ الخشية من التخيير؟ هل هى حيطة وحرص من الحاكم إذا لم يُكره النَّاس على الشريعة فإنَّ النَّاس سيهجرون دين الله؟ هل هى خشية من الله لأنَّ الحاكم طبَّقَ شرائعَ أخرى إلى جوار شرع الله؟ ونقول على العكس، النَّاس يهجرون دين الله بسبب القدوة السيئة التى تستخدم الدين كغطاء للفساد والإفساد، وبسبب الإكراه أكثر مما لو خُيِّروا.

إذاً تطبيق الشريعة بتلك الطريقة الشائهة المتعسِّفة لا يخلو من الأغراض الدنيوية، وفى ذلك تشويهٌ للدين، وطمس لمقاصده، وعلى النَّاس أن يعملوا بكلَّ ما أوتوا من حصافة فكرية لمنع هذا العبث بالأديان السماوية والإحيائية من قِبَلِ المستهزئين بها وردِّ قدسيتها لها.

2-  سينتقل النَّاس من أُفقِ الأيديولوجيا الدموى إلى أُفقِ المناخ المدنى الخصيب بالسلام الاجتماعي، والذى تنشط فيه حرية الفكر المحرَّضة بالعقل الحر والتفكير الحر، بغرض إنتاج المعرفة الدينية، وتطوير الفكر الدِّينى وإخراجه من حالة التكلُّس التى هو فيها الآن. والجدير بالذكر أنَّ الشريعة الإسلامية لم تُنْعَتْ بالسمحاء، إلاَّ لأَنَّ مِضمارَها هو الفِكر الحر المتأتى من التخيير. ولم تتطور الشريعة الإسلامية عبر قرونها الطِوال في جزيرة العرب إلاَّ لأنَّ أهلَها أكثرُ اشتغالاً بالسلطان من الاشتغال بالفكر، والاشتغال بالسلطان يُضيِّق مساحة التخيير. ولذلك لا غُروَ أنَّ معظم الذين أهتموا بالفكر الدينى في الإسلام هم مسلمو الهامش من خارج جزيرة العرب (اشهر علماء الحديث الستة هم من خارج الجزيرة العربية).

3-  وفى إطار الدولة المدنية لن يُسمح بأى نوع من أنواع العنف الدينى أو الثقافى أو الإثنى أو اللغوى، أو العنف الأيديولوجى/السياسى/الاقتصادى أو الجسدى أو اللفظى المُجيَّر لخدمة أى شرخ فى البناء المدنى، وسوف يُفسح فقط للفكر الحر والتفكير الحر ليكونا مُدْخَلَيْنِ مُهِمَّيْنِ فى مجال المعرفة المعلومة الأدوات فى إطار الدولة المدنية. وبهذه الكيفية سيكون بالإمكان حل كل مشاكل السودان المصيرية بأُفقِ الدولة المدنية ذى القدرة الحقيقية على حماية التنوع فى البيئة السودانية الغير متوفرة لدى الدولة الدينية والدولة العلمانية معاً. وبالتالى فى إطار هذا الأفق المدنى يمكن أن يعود الجنوب (إن رغب)، ومن ثم نسعى إلى آفاق جديدة من التماسك واللُّحمة والاستقرار والانطلاق نحو مستقبل مزدهر.

4-  فى إطار الدولة المدنية، ستنتهى حالة النفاق الدينى وتطبيق الشريعة على الفقراء دون الأغنياء، وسيُحاسب النَّاس بالشرائع التى اختاروها ومضمنة فى سِجِلِهِم المدنى ورقمهم الوطنى، ولا مجال هناك للمحاباة والمحسوبية فى إطار القضاء المستقل والسلطات الأخرى المستقلة. وليس ثمة خوف فى أن يقل عدد النَّاس المناصرين للشريعة ولا توجد أىُّ أرضية لذلك؛ فالمسلم المُحَقِّق لن يتراجع عن تطبيق الشريعةِ عليه فى إطار الدولة المدنية أو فى غيرها. بل على العكس، فيومئذٍ ربما نجد كثيراً من أعضاء الجبهة الإسلامية القومية سيختارون قوانين غير قوانين الشريعة الإسلامية لتُطبق عليهم (وربما غادروا السودان إلى بلدان لا تُطبَّق فيها الشريعة الإسلامية من الأساس)، لطالما تحايلوا على تطبيقها على أنفسِهم بسبب فسادهم وطبقوها على الفقراء والمساكين.

ومن هنا يجب أن يعلم الجميع أنَّ الإنقاذ ترفض الدولة المدنية؛ لا لأنَّها “إسم دلع” للعلمانية وقد جاء بها الشيوعيون كما كانت تروِّج الإنقاذ في السابق وفلولها الأن، وقد فنَّدنا ذلك فى مقلات سابقة، ولكن لأنَّ الشريعة الإسلامية حينما تكون فى يد القضاء المستقل فى إطار الدولة المدنية، ستُطبَّق على الوجه الأكمل وسوف تطال أهل الإنقاذ أجمعين قبل غيرهم على حسب إفادة د. حسبو عبد الرحمن الذى قال: “كلُّ أعضاء حزبه فاسدون”. كما أنَّ تطبيق الشريعة الإسلامية إذا خرجَ من يدِ الإنقاذ الفاسدة إلى يدِ القضاء النَّزيه المستقل فى إطار الدولة المدنية، فإنَّ دولة الإنقاذ الدينية سوف تُحْرَم من أهم عنصرين من عناصر برنامجها الأيديولوجى “الإسلام هو الحل”، وهما النِّفاق والمتاجرة بالدين، وسوف تقف عارية من أى نوع من أنواع الأخلاق.

5- حينما تكف الدولة عن حشر أنفها سلباً فى طريقة تدين النَّاس وإثنياتهم وثقافاتهم ولُغاتهم، واختياراتهم السياسية تخمد الفتن والحروب القائمة على أساسها، وتتحول ميزانية الحرب بالنسبة للدولة إلى ميزانية مواطنة؛ ميزانية مدنية تخدم إيجاباً ذات التنوع الدينى والإثنى والثقافى واللغوى.

6- فى إطار الدولة المدنية (دولة المواطنة والديمقراطية) ستكون البرامج الحزبية ملحمة من التنافس على كيفية خدمة المواطنين بواسطة الخادمين المدنيين، وستكون مُكرَّسة لعكس استحقاقاتهم من حقوق المواطنة وواجباتها فى العملية الإنتاجية (عمال/قوى حديثة + رأسماليين/إنتربِرينيرز = الإنتاج/العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديمقراطية) بما يخدم توازنها، ولن تكون مكرَّسة للأنا السياسية أو الأيديولوجية أو الإثنية أو الجهوية أو اللغوية أو لمطامع فردية؛ فالكلُّ رابح فى ظل الدولة المدنية وبشكلٍ ديمقراطى.

4-2-2-5 محصلة

على كل فرد من أفراد الشعب السودانى الشجاع أن يدلف إلى فضاء التخيير – الفضاء المدنى، ويختار القوانين التى يود أن تُطبَّقَ عليه ويكون مسئولاً عن تلك الخيارات؛ فالسؤال فردي أمام الله، وأن يُغيِّرَها متى ما يشاء. وأقول لكلِّ مسلمى السودان الذين يريدون أن تُطبَّقَ عليهم الشريعة الإسلامية السمحاء: إرفضوا تطبيقها من قِبَل الإنقاذيين وجبهتهم المسماة زوراً وبهتاناً بالإسلامية، لأنَّها غير مؤهَّلة أخلاقياً لتطبيقها، واطلبوا تطبيقها من قِبَل الدولة المدنية حيث القضاء المستقل والنزيه الذى يتعامل مع الضعيف والشريف على قَدَم المساواة.

يُتْبَع …

اترك تعليقا