الجميل الفاضل يكتب “قوى الثورة” .. من تكون؟
سهلٌ الحديث في الهواء الطلق، عن الثورة، وعن قواها الحية، بل وباسمها أيضاً.
لكن ديدن الثورات أنها تضع دائماً، كل من يدعي وصلاً بها مباشرة على محك، قاعدته التجربة، وذروة سنامه الفعل.
وبالتالي فإن وجود بعض أدعياء الثورة والثورية، في حواضن تتناقض مصالحها جذرياً، مع فكرة الثورة، وأهدافها، ومشروعها برمته.. يصبح مثل هذا الوجود، كوجود المرأة الحسناء في المنبت السوء.
فالثورة لا تُعرف بأشخاصٍ، أو بأحزابٍ، ضربة لازب.
إنما هذه الأحزاب، وهؤلاء الأشخاص، هم من يُعرفون في الحقيقة بثوريتهم، طالما ظلوا عاكفين عليها، يرعونها حق رعايتها، قابضين على جمرتها، متمسكين بأهدافها، عاملين بكلِ جدٍ لإنجازها، مضحين بكلِ مرتخصٍ وغالِ لأجلها.. شريطة الا يرجوا من وراء ما صنعوا في النهاية، مناصب أو مغانم ، جزاء أو شكورا.
فالثورة في جوهرها حالة تطهرية بإمتياز.. حالة تجرد تام عن النزوات، والنزعات، والشهوات، الفردية والجماعية، شأنها شأن التصوف الحقيقي، حب الرئاسة فيها لا يليق بمن سلك هذا الطريق، طريق الثورة بالطبع.
وهو طريق بخلاف طُرق السياسة العديدة، التي يتعهدها بعض ادعياء الثورية الآن.. فالسياسة تظل في أفضل حالاتها مقيدة بالقانون، في حين أن الثورة مقيدة إلزاماً بالأخلاق.
وبطبيعة حال السياسة التي تُعنى بالراهن والمباشر والممكن، فإنها تقبل فيما تقبل.. منطق التسويات، وأسلوب المساومات، بل وحتى القواعد التي تنشأ عليها في العادة صفقات يمكن وصفها بأنها قذرة.
فالثورة قطار يعبر سهولاً ووهاداً وجبالاً، في طريق مضني وشاق، به محطات كثيرة ومتعددة، ربما يتوقف هذا القطار هنيهة عند بعضها، ريثما ينطلق مجدداً نحو محطته النهائية.
وفي رحلة هذا الطريق الطويل، قد يترجل البعض عن هذا القطار، في محطات تلائم أغراضهم ومصالحهم الآنية، أو لكي يحافظوا على شييء من مكتسباتهم التاريخية.
ولذا فإن وصف “قوى الثورة” يبقى تعبيراً فضفاضاً متحركاً، بل وقابلاً كذلك للتغيير من النقيض إلى النقيض، ليصبح من ثّم، ثوري الأمس عدواً للثورة ذاتها اليوم.
إذ أن هناك من يريد أن يعتقل قطار الثورة في محطة على مقاس تطلعاته هو، تتناسب مع مصالح ضيقة تخصه، أو تخص حزبه على أفضل تقدير.
بمثلما أن هناك أيضاً من يريد أن يجُرّ هذا القطار ذاته إلى نقطة أبعد من محطته الأخيرة، التي حددت احداثياتها وفق تقديري ميكانزمات الحراك الداخلية، بحثاً عن مجال حيوي لتجريب نظرية بائرة على أرض الواقع من جديد.
*حالتي:
أشهد ألا إنتماء الآن
إلا أنني في الآن لا