هاجر سليمان تكتب: حادثة التهريب ونقل الضباط
تابعنا جميعاً حادثة التهريب عبر مطار الخرطوم التى احبطها فريق المخابرات بالتنسيق مع جهات الاختصاص، والتى تورط فيها ضابط شرطة فى محاولة لتهريب (١١) كيلوجرام ذهب بتسليمها لراكب تم توقيفه فوراً عقب العملية.
وما نود الاشارة اليه ان ما أتاه الضابط سلوك فردى لا ينطلى على مؤسسة عريقة مثل الشرطة التى عرف عنها الانضباط وكبح جماح الرغبات الشاذة واستعمال القانون حيال كل من يخالف، فمهما حدث فالشرطة مجتمع ضخم، والمجتمعات بطبيعتها الكونية تضم الصالح والطالح والسوي والسيئ، وحتى ذوي النفوس الضعيفة والاكثر ميولاً لارتكاب الجرائم، ولكن هذا لا يعنى بالضرورة ان ينطلى سلوك فرد على مؤسسة كاملة، او ان توصم المؤسسة وتؤخذ بجريرة شخص واحد.
وتابعنا الاجراء الذى اتبعته الشرطة من تشكيل مجلس تحقيق فى الحادثة واتخاذ كافة الاجراءات، ولكن ما تبع ذلك من اجراءات تم بموجبها نقل وتشتيت الضباط الى ولايات بعيدة، فهذا فى حد ذاته ظلم واهانة لبقية ضباط الشرطة العاملين فى المطار، فهم لا صلة لهم بالجريمة ولم يرتكب الضابط جريمته بايعاز من أى منهم، ولم يحرضوا بل ويشهد لهم بالكفاءة والخلق، ولكن ان يتم نقلهم بطريقة تأديبية تلقي بهم فى اصقاع البلاد فهذا امر مستنكر بالنسبة لنا، لاسيما ان الذين تم تعيينهم ليسوا ملائكة ولا يعلمون الغيب ولكنهم بشر، ومن طبع البشر ان يخطئوا ويصيبوا، او يرتكبون اخطاءً وربما وقعت حوادث مماثلة، ثم ان الضباط الذين تم نقلهم وتأديبهم لم يطلبوا ولم يقوموا باختيار منسوبيهم، بل نقلوا اليهم فى كشوفات منفصلة، مما يعنى بالضرورة انهم لا علاقة لهم بالحادثة ولا بالضابط الذى نقل فى كشف عادى دون توصية او تزكية، وربما وقع الفعل من ضابط آخر غيره وفى موقع آخر غير الخرطوم عاصمة الاضواء والشهرة. فهنالك كثير من الحوادث التى نعلمها جيداً ولكن لم تكن ردود الافعال فيها بذات الدرجة.
وكنا نأمل ان يتم اخضاع الضابط المتهم للكشف النفسي للتأكد من حالته النفسية، خاصة انه الى عهد قريب يشهد له الجميع بالخلق الحميد، بل تفاجأ كل من يعرفه بالحادث، فهو مشهود له بين اقرانه باللطف والهدوء والامانة والكرم، ومعروف انه لم يسبق قط ان أتى بفعل مخالف، ومعروف بالنشاط، وهو ايضاً لا يكل ولا يمل، والغريب انه عاش فى اسرة ذات وضع مادى جيد حتى انه تلقى تعليمه خارج السودان وتعرفه اسرته وجيرانه ويشيرون اليه بالبنان، لذلك وقع خبر ضبطه كالصاعقة على رأس كل من يعرفه.
ولاحظنا ان كل ضابط يراد تأديبه ينقل الى مناطق دارفور وجنوب كردفان وكأنها منفى او مركز للتأديب، مع العلم بأن تلك المناطق التى زرنا بعضها مناطق ذات طبيعة خلابة وهادئة ولم تعد كما الحال فى السابق، حيث كانت توصف بانها مناطق شدة، وانما رغم الشدة ورغم كل شيء الا انها مازالت مناطق تتمتع بالجمال والخضرة والمناظر الطبيعية، وان كانت هنالك مناطق تأديبية بالفعل فهى العاصمة الخرطوم وما جاورها من كثرة العمل والضغط الذهنى والنفسي وسوء المعاملة وارتفاع مستوى المعيشة والحر وانقطاع الكهرباء والمياه، واليوم الذى يمر سريعاً دون انجاز. ويبدو ان الضباط المنقولين لتلك الاقاليم قد اقاموا الولائم فرحاً بمغادرتهم عاصمة الذل والهوان.